تندرج إعادة هيكلة الوكالة الموضوعاتية للبحث في العلوم الاجتماعية والإنسانية في سياق نظرة استشرافية لوزارة التعليم العالي، تضع تموقع الدراسات والبحوث في ميادين العلوم الاجتماعية والإنسانية موضع السؤال على أكثر من صعيد.
فالبرغم من تعدد الكفاءات الفردية وتنوعها في خريطة الجامعات ومراكز البحث، لازالت منظومة بحثها محتشمة، عاجزة عن احتضان الإشكاليات البحثية الجادة، غير قادرة على بلورة خطاب رصين حول الظواهر الاجتماعية والإنسانية.
بالرغم من تزايد البحوث والدراسات في شكل رسائل دكتوراه ومنشورات جامعية ومقالات أكاديمية، فانعكاساتها تكاد تكون عديمة المرئية. حبيسة المقاربات الفردية أو الفردانية وغائبة عن الانخراط في منظومة المشاريع الجامعة. فالمبالغة في رسم الحدود التخصصاتية قد قلصت فعلا من قدرتها على استحداث استراتيجيات منهجية بحثية شاملة ومن إمكانية احتضان المقاربات الناشئة، بل عمقت الفجوة المنهجية والمهنية بين عالمي الجامعة والفضاء الاجتماعي والاقتصادي، وهو ما يكرسه الحضور الباهت لخبراء العلوم الإنسانية والاجتماعية في المناقشات الفكرية والاجتماعية على مستوى الفضاء العمومي.
إن التنامي الكمي لتخصصات هذه العلوم وتفرعها معرفيا، يضعها اليوم أمام تحديات ورهانات جديدة، تلزمها بلورة مداخل منهجية ومعرفية في مقاربة التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية ، بما في ذلك قضايا الهوية والذاكرة. بل تضعها أمام ضرورة تثمين الكفاءات الموجودة وبلورة أخرى جديدة وصياغة أطر معرفية تواكب المرحلة. ولعل الرهان الأكبر هو كيفية الانتقال من استهلاك هذه العلوم بقوالبها الجاهزة إلى صناعتها وصياغة أسئلتها في ضوء خصوصيات تطور مجتمعنا.
وعليه فعزيمة طاقم الوكالة أكبر لمصالحة المجهود البحثي المبذول مع واقعنا الاجتماعي والثقافي، ومرافقة مخرجاته وطنيا ودوليا، وذلك ب:
- مرافقة ودعم كيانات البحث وتيسير نشاطها، بل العمل معها على إعداد حصائل دورية، و بلورة خريطة استشرافية للأولويات البحثية .
- العمل على ضمان معيار الجودة ومراجعة آليات تقييم ومرافقة مخرجات البحث ونتائجه والعمل على تثمينه
- السعي لتشجيع أساليب البحث الجماعي وإعادة مراجعة مسارات بلورة الأسئلة والاشكاليات البحثية، وتكثيف التقارب بين الباحثين بتشجيع الشبكات الموضوعاتية.
- العمل اكثر على ترقية المشروع الدكتورالي واحتضانه في سياق كيانات البحث، وتشجيع باحثي العلوم الاجتماعية والإنسانية للتمكن من أساسيات التخصص المعرفية والمنهجية وتملك اللغات الأجنبية.
- العمل على توفير فضاء علمي تعاوني على المستويين الوطني والدولي
- العمل على تحقيق تواصل مؤسساتي شفاف ورصين مع كل الباحثين وكيانات البحث، وبناء أرضية رقمية تفاعلية متاحة لكل الفاعلين،
إن قناعتي كبيرة بأنه لن يكون لهذه المحاور وقع الا بضمان بناء معرفي رصين وتعاون حقيقي، بل غيرة صادقة من الجميع
أ.د يوسف عيبش